الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على أفضل أنبيائه وأشرف خلقه وبعد
فهذا شيء مما يقال ديانة :
1- رأيت من حلق لحيته وجعل خده قاعا صفصفا له بريق ولمعان.
2- ورأيت لحية طويلة جدا وشعثة قد تراكمت السنين عليها، إذا سجد وضعها وإذا قام حملها فقطعت والله أعلم أن هذا الشأن ليس من السنة في شيء :
3- ولذا كانت هذه الحروف هتاف للمحلقين، ومذاكرة للمبالغين في إطالتها حتى تستشنع.
4- تعريف اللحية: هي اسم لما نبت على الخدين والذقن، وعليه فإن ما على الوجنتين والرقبة ليس من اللحية.
5- والذي أدين الله به : أن في اللحية ثلاث درجات: حلقها محرم بإجماع، وتخفيفها مكروه، وأما الأخذ مما زاد عن القبضة فهو محل اجتهاد لا إنكار على من خالف فيه:
6- فروي المنع من التعرض لها عن طوائف من السلف والخلف التزاما لظاهر حديث ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، وروي الترخيص عن أئمة كبار كما سيأتي.
7- والذي يترجح أن من إكرام اللحية والسنة تجميل ما طال منها واستقبحه عامة الناس :
8- فكما كان الحلق تمجيس لها (تشبه بالمجوس)، فإن تركها طويلة جدا وشاذة وشعثة تشويه لها، والسنة إكرامها بعدل وجمال، دون إفراط وتفريط:
9- فالتفريط في حلقها، والإفراط في تركها طويلة جدا وشاذة يستنكرها عامة الناس.
10- التفريط هو استباحة حلقها، والإفراط يكون في جعل حلقها كبيرة من كبائر الذنوب والولاء والبراء لأجلها.
11- حكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، وعليه فحالقها آثم وهو تفريط، لكن الإفراط في جعل الحلق كبيرة كما تقدم.
12- غالب من يلتزم ظاهر توفير اللحي لا يلتزم ظاهر:”أنهكوا الشوارب” مع أن موردهما واحد؛ فحلق اللحية محرم ، لكن إطالة الشوارب عن الشفة أيضا محرم.
13- عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :”خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ”. وفي لفظ: “انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى”.
14- وعند مسلم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ ».
15- ومن فقه الحديث أنه جاء بالأمر (وفروا) أي اتركوها وافرة. ولم يأت على صيغة النهي(لا تأخذوا) وبينهما فرق لا يخفى، ولذا لم يعد الصحابة الآخذ مخالفا للأمر.
16- الخلاصة : حلقها محرم وإنهاكها جدا محرم وأما أخذ ما فحش فسنة بل قيل واجب.
17-وأخذ ما زاد على القبضة هو قول أكثر أهل العلم والمذاهب، وممن روي عنه الإذن في الأخذ منها:
18- من الصحابة عمر وابن عمر وأبو هريرة :
19- فروى عن عمر أنه رأى رجال قد ترك لحيته حتى كثرت فأخذ بحديها ثم قال : ائتونى بجلمين ثم أمر رجلا فجز ما تحت يده ثم قال : اذهب فأصلح شعرك أو أفسده ، يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع.
20- وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل.
21- وفي البخاري: وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه وهو موصول بسند البخاري إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ .
22- قال ابن حجر: الذي يظهر أن ابن عمر كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه.
23- ومن التابعين: الحسن وقتادة وعطاء وإبراهيم وابن سيرين وطائفة:
24- فكان قتادة يأخذ من عارضيه
25- وكان الحسن يأخذ من لحيته
26- وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأسا.
27- وروى عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ من طول لحيته وعرضها ما لم يفحش الأخذ منها ، وكان إذا ذبح أضحيته يوم النحر أخذ منها شيئًا .
28- وقال عطاء : لا بأس أن يأخذ من لحيته الشىء القليل من طولها وعرضها إذا كثرت.
29- وعلة من يرى الأخذ من الطويلة : كراهية الشهرة فى اللبس وغيره فكذلك الشهرة فى شعر اللحية . وحملوا النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها .
30- ورأوا أن قوله عليه السلام : ( أعفوا اللحى) على عمومه إلا ما خص من ذلك ، وقد روى عنه حديث فى إسناده نظر أن ذلك على الخصوص ، وأن من اللحى ما الحق فيه ترك إعفائه ، وذلك ما تجاوز طوله أو عرضه عن المعروف من خلق الناس وخرج عن الغالب فيهم ، روى مروان بن معاوية ، عن سعيد بن أبى راشد المكى ، عن أبى جعفر محمد بن على قال : ( كان رسول الله يأخذ اللحية ، فما طلع على الكف جزه) ، قال ابن بطال: وهذا الحديث وإن كان فى إسناده نظر فهو جميل من الأمر وحسن من الفعال .
31- وقال أبو عبد الله الأبي: إن الله تعالى زين بني آدم باللحى، وإذا كانت زينة فالأحسن تحسينها بالأخذ منها طولا وعرضا، وتحديد ذلك بما زاد على القبضة كما كان ابن عمر “يفعل”.
32- وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يأخذون من جوانب اللحية.
33- وجميع الأئمة الأربعة وغيرهم روي عنهم الترخيص:
34- فقال أبوحنيفة : تركها حتى تكثّ وتكثر والتقصير فيها سنة ، وهو أن يقبض الرجل لحيته فما زاد على قبضته قطعه لأن اللحية زينة وكثرتها من كمال الزينة وطولها الفاحش خلاف للسنة.
35- بل ذهب الحنفية إلى وجوب أخذ ما زاد على القبضة.كما في البحر.
36- وقال مالك: لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ.
37- وعند الشافعية والحنابلة يحرم الإستئصال وفي أخذ ما زاد على القبضة وجهان.
38- وقال الطيبي: المنهي عنه قصها كالأعاجم أو وصلها كذنب الحمار.
39- قال ابن رشد الجد: وما استحسنه مالك من أن يؤخذ من الملحي إذا طالت جدا حسن ليس فيه ما يخالف أمر النبي عليه السلام باعفائها ، بل فيه ما يدل على ذلك بالمعنى ، لأنه إنما أمر – صلى الله عليه وسلم – بإعفاء اللحي لأن حلقها أو قصها تشويه ومثلة ، وكذلك طولها نعما سماجة وشهرة ، ولو ترك بعض الناس الأخذ من لحيته لانتهت إلى سرته أو إلى ما هو أسفل من ذلك ، وذلك مما يستقبح.
40- قال الطبري: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها وقال قوم إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد.
41- واختار الطبري قول عطاء وقال: إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به.
42- واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها”. رواه الترمذي وفي سنده مقال وضعفه البخاري.
43- وقال عياض: يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها.
44- وقال ابن بطال: وقال الطبرى : إن قال قائل : ما وجه قوله عليه السلام 🙁 أعفوا اللحى) وقد علمت أن الإعفاء الإكثار ، وأن من الناس من إن ترك شعر لحيته اتباعًا منه لظاهر هذا الخبر تفاحش طولا وعرضًا ، وسمج حتى صار للناس حديثًا ومثلا ؟ قيل : قد ثبت الحجة عن النبى عليه السلام على خصوص هذا الخبر وأن من اللحية ماهو محظور إحفاؤه وواجب قصة على اختلاف من السلف فى قدر ذلك وحده ، فقال بعضهم : حد ذلك أن يزداد على قدر القبضة طولا ، وأن ينتشر عرضًا فيقبح ذلك ، فإذا زادت على قدر القبضة كان الأولى جزّ مازاد على ذلك ، من غير تحريم منهم ترك الزيادة على ذلك .
45- وقال آخرون : يأخذ من طولها وعرضها مالم يفحش أخذه ، ولم يحدوا فى ذلك حدًا غير أن معنى ذلك عندى – والله أعلم – ما لم يخرج من عرف الناس .