نشر في صحيفة كن داعيا 1425هـ الصادرة عن معهد البحوث العلمية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأود ابتداء بهذا المقال أن أذكر إخواني المسلمين والدعاة على وجه الخصوص بمفتاح من مفاتيح القلوب من هدي إليه فقد هدي إلى خير كبير، ولا أدل على هذا من أن هذا الخُلق الرفيع كان عنوانًا لشخص رسول الله ﷺ، فقد جبل الله خليله على هذه الخلة العظيمة فكان كما وصفه أبو هريرة رضي الله عنه بسامًا – أي كثير التبسم – وصح من حديث جرير رضي الله عنه قوله: «ما لقيني رسول الله ﷺ إلا وتبسم في وجهي»، بل هذه حاله حال درسه وحديثه كما في حديث أبي الدرداء أنه كان إذا حدث حديثًا تبسم فقيل له: لا يقول الناس إنك أحمق فقال ما رأيت أو ما سمعت رسول الله ﷺ يحدث حديثًا إلا تبسم رواه أحمد في مسنده.
بل إن هذا كان خلقه ﷺ ولو مع من ساء أدبه وزادت غلظته وجهله فعن أنس بن مالك قال: «دخل النبي ﷺ المسجد وعليه رداء نجراني غليظ الصنعة فجاء أعرابي من خلفه فجذب بطرف ردائه جذبة شديدة حتى أثرت الصنعة في صفحة عنق رسول الله ﷺ فقال يا محمد أعطنا من مال الله الذي عندك قال فالتفت إليه النبي ﷺ فتبسم ثم قال مروا له».
ولا أظن قول الصحابي عن رسول الله ﷺ: «فضحك حتى بدت نواجذه» غريبًا على مسمع القارئ أو مطالعته.
ولذا فإن الإقبال على الناس بالوجوه الضاحكة المستبشرة يملأها آمانًا وسكينة، ويعمل في قلوب أهلها ما لا تعمله الكلمات المسجوعة والخطب المسموعة.
وإن مثل هذا الشأن لا يخفى على عامة الناس فضلًا عن دعاتهم ووعاظهم بيد أنك ترى تقصيرًا واضحًا في استغلال هذه الوسيلة من قبل بعض الدعاة إلى الله عز وجل.
وإن من التصورات المغلوطة أن كثرة التبسم تذهب الهيبة وتنزع الوقار، وللوقوف مع هذه الأخيرة جانبان:
الجانب الأول: في استشراف بعض الدعاة لمقام الهيبة له من الناس، فإن هذا التطلع مع كونه من قوادح الإخلاص ومن تعجيل أجر الآخرة في الدنيا فصاحبه غافل عن:
الجانب الثاني: وهو أن الهيبة والوقار حاصل معها وبها ما دام – أي التبسم – على هدي رسول الله ﷺ.
على أن ما أشار إليه بعض أهل العلم من استحباب التخشع والحزن على التقصير في جنب الله لا يتعارض مع ما أسلفناه إذ هو متحقق في الليل والخلوات، وقد أُثر عن بعض السلف نحيبًا بالليل ومباسطة للخلق في النهار، ولا يخفى على القارئ الكريم أننا لا نعني هنا الضحك والقهقهة والإكثار من ذلك لمكان النهي عنه فإنه منقصة للعقل ومميت للقلب كما جاء في الحديث، وإنما المقصود الاعتدال فكلا طرفي القصد ذميم، والله الهادي، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
صالح بن علي الشمراني – جامعة أم القرى – 1425هـ