التاريخ الميلادي: 2024-11-21
التاريخ الهجري: الخميس، ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ

[wp_hijri_date]

التشريك في طلب العلم وعوائق أخرى

عدد الزوار: 132

الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على أشرف خلقه، وبعد:

فإن العلم أرفع المنازل وأشرفها كما قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11]، وقد أشهد الله الذين أوتوا العلم على أعظم حقيقة وهي التوحيد فقال سبحانه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ﴾[آل عمران:18]، وفضل العلم وأهله في الإسلام أوضح من الشمس في نحر الظهيرة، فالإسلام هو دين العلم، الذي جاء في كتابه ما لا يحصى من الآيات في بعث العقول نحوه كقوله تعالى: ﴿أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾[يس:68]، وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[الرعد:4]، وقوله: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[الأنعام:97]، وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[النمل:52].

هذا وإن أفضل العلوم هو العلم بالله وبرسالاته وكتبه كما قال تعالى عن عبده الخضر: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾[الكهف:65]، فالعلم الذي من عند الله هو أعظم العلوم وأشرفها، وأهله هم خير الناس وأشرفهم الذين أخبر النبي ﷺ عن خيريتهم بقوله: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وقوله ﷺ: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين»، وهؤلاء هم أهل الخشية في قوله جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28]. وهم أهل العقل في قوله عز ذكره: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾[العنكبوت:43]، وهم أهل الفضل كما في قوله عز اسمه: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[الزمر:9]، وهم أهل النجاة كما أخبر سبحانه عن تبعة الجهل في قوله: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[الملك:10].

وقد فضل الإسلام العلم وأهله لا على آحاد الخلق، بل حتى على أوليائه من العباد كما جاء في السنن من حديث أبي الدرداء: «َإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».

ومما يدل على مكانة العلم وأهله أيضا أن أئمة الإسلام من أئمة الحديث اعتنوا بالإشادة به وبأهله وخصوه بأبواب وكتب مستقلة ففي الموطأ: كتاب العلم، وكذا في البخاري كتاب العلم ضمنه 54 بابًا و76 حديثًا وكذا مثل ذلك في مسلم وفي جامع الترمذي وغيرها من دواوين الإسلام.

إذا علم هذا:

فالواجب على من سلك طريق الذين آوتوا العلم أن يهتدي بهديهم ويقتفي أثرهم وأخص ما يمكن أن يوصى به طالب العلم أربعة أمور:

الأول: الإخلاص لله تعالى كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]، ويكفي في بيان خطر فقد هذا الأمر ما جاء في مسلم في خبر أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ومنهم طالب علم تعلم العلم وقرأ القرآن لكن ليس لله، بل ليقال قارئ قال ﷺ: «فيقرره الله نعمه عليه ثم يقول ما عملت فيها فيقول: تعلمت فيك العلم وقرأت فيك القرآن، فيقول تعالى الذي لا تخفى عليه خافية: كذبت، ولكن قرأت ليقال قارئ» وقد قيل: ثم يؤمر به إلى النار والعياذ بالله.

الأمر الثاني: اقتفاء الأثر وأخذ العلم عن أهله باتصال السند من شيخه إلى رسول الله ﷺ إلى جبريل إلى معلم داود ومفهم سليمان سبحانه وتعالى، ويحذر تنكب طريقتهم والميل إلى أهل الأهواء والبدع.

الأمر الثالث: الصبر في طريق الطلب، ومن المعلوم أن عظم الغايات يتطلب بذل أعظم التكاليف، وحيث كان العلم في المقام المشار إليه آنفًا فإن بلوغه يفتقر إلى الصبر، والصبر فيه له جوانب منها:

– الصبر على طريقة السلف والأئمة فيه.

– والصبر على قطع الملذات من أجله.

– والصبر في قطع الأوقات كلها له.

– ثم الصبر في تبليغه ونشره.

وصدق الله: ﴿وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

الأمر الرابع: العناية بالأصول:

وذلك بحفظ أصل في كل باب من أبوابه، ومن حفظها وضبطها ثم أخذ شروحها عن أهلها فإنه يستغني بها عن كثير من المطولات، وفائدة الحفظ تبرز في أمرين:

الأول: ضبط العلم واتقانه.

الآخر: اختصار الزمن؛ لأن العمر قصير والعلم أوسع من أعمار الخلق فضلًا عن عمر طالب علم واحد.

ومن الأصول التي أرى أنه لا غنى لطالب العلم المبتدئ عن حفظها:

-القرآن الكريم.

– كتاب التوحيد.

-كشف الشبهات.

– عمدة الأحكام في الحديث (ويتممه ببلوغ المرام عند الشرح).

– مختصر الزاد في الفقه.

– الورقات أو نظمها في الأصول.

– البيقونية في المصطلح.

– الرحبية في الفرائض.

– الأجرومية في النحو.

وهذه الأصول لا تنفع صاحبها إلا إذا أتى فيها على مرحلتين:

مرحلة الحفظ.

ومرحلة التلقي والمدارسة لشروحها على من يثق بدينه وعلمه من علماء زمانه.

وإذا ضبطها كانت له أصلًا وقاعدة لما فوقها من كتب العلم المتوسطة والمطولة.

ثم احذر هؤلاء الست:

فإنها من أهم ما ينبغي أن تتقيه: (التشريك، والتشتت، والتعجل، والقفز، والاكتفاء، والفوضى).

فالتشريك في نية الطلب.

والتشتت في الكتب أو المناهج أو الشيوخ.

والاستعجال في جني ثمرة العلم قبل الملازمة الطويلة.

والقفز إلى المطولات وكبار العلم قبل صغاره.

والاكتفاء برؤوس المسائل والمثاقفات المتناثرة.

والفوضى في الوقت وسلب الغيرة من سوالبه.

وجامع الأمر كله وأوله وآخره تقوى الله: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾. والله الموفق.

صالح بن علي الشمراني – أم القرى – 25/10/1434هـ

  • 4
  • 39
  • 80٬801

قناة الشيخ باليوتيوب

تابع قناة الشيخ على اليوتيوب