كبائر الملتزمين

عدد الزوار: 289

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد

فالإضافة في ترجمة المقال لفظية مجازية وليست إضافة اختصاص ثم بعد:

فقد تعارف الناس مذ أمد على تسمية أهل السنة والحريصين على تطبيقها والنضال عنها بالملتزمين، وهي تسمية لها وجهها من حيث اللغة؛ وإن كان الوارد في وصفهم غير ذلك، وحين تقرأ نعوتهم في التنزيل ستجد تباينا بين الملتزمين واقعًا والملتزمين شرعًا، كالمستقيمين والأبرار والمتقين والمفلحين والمخبتين الذين ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾، والذين ﴿يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا، والذين لا: ﴿يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، والذين هم: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾، والذين ﴿يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾، والذين إذا ساومهم أحد على دينهم ومنهجهم قال قائلهم: ﴿لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾.

ولا شك أن إقبال الملتزمين على الدين لأمر يغتبط به كل مؤمن، ولكن إن تعجب فعجب وقوع أهل هذه التسمية في كثير من المعاصي كبائرها والصغائر، وللنذارة والنصيحة لنفسي المقصرة ولإخواني المسلمين الذين وسموا بهذه السمة فإن الاستقامة ليست قابعة في عمة متماوت يظهر التدين، ولا متسربلة في ثوبه القصير، ولا بمتجللة لحيته المتطهرة، وإنما تكون الاستقامة في أحلى حللها عند من وصف ربك فيما قرأت آنفًا.

ومع التحذير من هذا الانفصام بين الظاهر والباطن فلا يظن بي ظان التقليل من شأن شعائر الالتزام الظاهرة، بل هي عنوان القلوب، وبوابة الفلاح، غير أن من دلائل الخسران وقوع بعض هؤلاء المترهبنين ظاهرًا في بعض من الكبائر قد يعاينهم الناس وهم ينتثلونها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وما أريد إلا الإصلاح وربي من وراء قصدي، وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء، ولكن في بيان هذه الحالقة إصلاح، وفي تبني كفاحها نجاح، ومنه درء شماتة أهل النفاق، ودسائس الذين يريدون بالدين وأهله ميلًا عظيمًا.

والدعوة هنا ليست لاستنساخ ملائكة يمشون على الأرض، ولا بشر لا يذنبون، فالذنوب قدر الله الكوني على بني آدم، ولكنها غشيشة للدين الذي أُمرنا بالنصح له أن نرى أبناءه يعيشونه ظاهرًا لا باطنًا، بعيدين عن مقاصده، غير واقفين على دعائمه، وأعوذ بالله من محبة إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ومن دعوى الهلاك فأكون مَنْ أهلكَهم أو مِنْ أهلكِهم، ولكن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراق بعض ديننا لمحزونون.

فالدخول لهذا الدين والصلاح فيه مبني على أمرين لا مناص منهما لمن رام النجاة به:

الأول: فعل المأمور، وأصله وخيره عبادة الله وتوحيده.

والثاني: ترك المحظور، ودركه وشره الشرك.

وهما في قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾[النساء:36].

والمتأمل في حال العباد يرى إقبالًا على الأول دون الثاني.

وحيث كان الكلام هنا عن الملتزمين فهم واقعًا كذلك، تراهم إلى جانب فعل المأمورات أميل، كالصلاة في الجماعة، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل حريصين على بعض الواجبات والسنن والآداب، كإعفاء اللحية وتشمير الأزر، والسواك ونحوها، ولكن حينما يحول محراب الشريعة بينهم وبين بعض رغباتهم المادية أو المعنوية تسوروه، مستغفرين تارة وغافلين تارات، مع أن الشريعة في هذا الجانب – أعني جانب المحظور – لم تترك للمكلف فسحة أو خيارًا أو تراخيًا، وإنما جاءت بها ملزمة على الفور، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر:7]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه.

قال ابن حجر: واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات؛ لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وهذا منقول عن الإمام أحمد.

والكبيرة: كل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده أو عظم ضرره في الوجود فهو كبيرة، وما عداه صغيرة.

واختلف في عددها بين سبع وسبع مئة وبعضها أكبر من بعض، واترك إخواني مع بعض هذه الكبائر التي قد يغفل عنها الملتزمون وعامتها من الكبائر الباطنة وكل يحاسب نفسه وينفض ثوبه:

الشرك الأصغر والشرك الخفي – عقوق الوالدين – قطيعة الرحم – الكذب – العجب – الظلم (خاصة للزوجات والعمال) – القذف – البهتان (ساحات الشبكة شاهدة) – الحسد (خاصة للأقران) – التخبط في لم المال وصار بعض المغرمين به صرعى – غشيان مجالس الباطل، وميادين السوء، ومعاشرة أهل الأهواء مع الولوغ في قيل وقال والعضة والغيبة أخيتها – وأكل الرشى أو دفعها أو حملها ويسمونها بغير اسمها.

هذه بعض ما أوجب التحذير وليت ظني كاذب، والله يعصمني وإخواني من الزلل ويوفقنا لصالح القول والعمل. 

صالح بن علي الشمراني

   أم القرى

هـ 28/7/1432

  • 7
  • 24
  • 74٬362

قناة الشيخ باليوتيوب

تابع قناة الشيخ على اليوتيوب