الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على رسوله وعبده وبعد:
– فإن جمعيات تحفيظ القرآن وحلقاته من مفاخر هذه البلاد المباركة ومن حذا حذوها، لكن لا يمنع ذلك أن نقول لإخواننا فيها شيئًا ندين الله به .. وقد كتبت في ذلك تغريدات:
– مدار هذه التغريدات الدعوة إلى الإخلاص، فإن تعلم القرآن وتعليمه من أعظم القربات، وكلام الله أعلى من أن يزاحم بأعراض دنيوية، وما دعا أحد إلى الإخلاص وخاف الرياء إلا هدي إلى صراط مستقيم. ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110].
– ولذا وددت أن يعاد النظر في حفلات حفظة القرآن ماديًا، وأن يصان كتاب الله عن هذه الأغراض الأرضية ويكتفى بإجازتهم والدعاء لهم.. فلم يحفظ في السنة شيء غير ذلك.
– هؤلاء حفاظ الصحابة لم يحفظ أنه ﷺ كرمهم بشيء سوى الإجازة والدعاء فقال:
«اقرأوكم أٌبي»
«خذوا القرآن عن أربعة»
«اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل»
«لقد أوتيت مزمارًا»
– حافظ القرآن إن كان حفظه لله فهو غني عن التكريم وسيبارك الله له وفيه ويوضع له القبول في الأرض .. وإن كان لغير الله فهو أهون من التكريم.
– لقد تدرجت حفلات التحفيظ من المساجد للفنادق (وتلي القرآن على شرف فلان) وسلطت عليها الأضواء والكميرات ودبجت فيها القصائد وضاهت حفلات المترفين.
– لا ينبغي تعليق القرآن على شرف فلان وفلان كائنًا من كان، فالناس يشرفون بالقرآن ولا يشرف بهم ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾[الزخرف:44].
– ولو ترخصنا بإقامة حفلات التكريم لحفاظ القرآن لجاز إقامة حفلات مماثلة للذاكرين والصوام، بله المصلين في المساجد ولا قائل بذلك.
– هذا البذخ والتنافس في إقامة الاحتفالات لم يكن معهودًا إلى وقت قريب، وهؤلاء علماء وحفاظ البلاد لم يحصل لهم شيء من ذلك وقد وضع لهم القبول وكان بهم النفع.
– ومن الأخطاء صرف أموال الأوقاف التي أوقفت على تعليم القرآن في استئجار الصالات والفنادق وإقامة الحفلات والولائم.
– أتفهم قول بعض الفضلاء أن حفلات التكريم تشجع على حفظ القرآن وهذا قد يكون لكن هناك أمران:
الأول: أنه ﷺ لم يفعله ولو كان خيرًا لسبقونا إليه مع قيام المقتضى والإمكان.
الثاني: لا خير في حفظ يبعثه التكريم وتحصيل السمعة والدنيا.
– ما روي عن عمر وغيره أنه نحر جزورًا عندما ختم البقرة ليس من قبيل الاحتفال، بل هو صدقة وطاعة وشكر لله على فضله.
– خير الهدي هدي رسول الله ﷺ ومن ادعى أن مثل هذا كان من هديه لزمه الدليل، وحينما رجعنا إلى هديه لم نره ﷺ يعد الناس بشيء إلا الجنة:
«من يحفر بئر رومة وله الجنة».
«من يجهز جيش العسرة وله الجنة».
– وأما في ميدان القرآن فكان يستخدم محفز الثواب والدار الآخرة:
(سورة ثلاثون آية حاجت عن صاحبها في القبر)
(البقرة وآل عمران تأتيان كأنهما غمامتان تظلان صاحبها)
(يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتل) ..
– ثم إن السنة قد حفظت لنا نصوصًا توجب على أهل القرآن الوقوف عندها مليًا .. نعم سيجد له المتأول مخارج، ولكن ما على من راقب نيته وإخلاصه لله من جناح:
– ففي الحديث قال ﷺ: «اقرأوا القرآن من قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله» رواه أبوداود وقال الألباني: حسن صحيح.
– وعند أبي داود وصححه الألباني أيضًا أن عبادة بن الصامت علم رجلًا القرآن فأهدى له قوسًا فقال له النبي ﷺ: «إن سرك أن تطوق بها طوقًا من نار فاقبلها».
– وأما قوله ﷺ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ»:
فقيل في معناه: أجرا أي ثوابًا من عند الله، وقيل، هو منسوخ بأحاديث الوعيد المتقدمة، أو يكون فيه رخصة للمعلم الذي انقطع لتعليم القرآن لتفرغه لا لتلاوته وتعلمه، وعليه فلا يصلح أن يكون أصلًا يعتمد عليه في التكسب بكتاب الله.
– وعند مسلم حديث يقلق المخلصين وهو خبر أول ثلاثة تسعر بهم النار وأولهم قارئ قرأ ليقال قارئ .. وقد قيل… اذهبوا به إلى النار.
– وليتنا نعود إلى تفسير ابن عباس لقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ﴾[هود:15-16].
– وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب مورد عذب لمن أراد تحقيق التوحيد وأخص شيء منه بما نحن فيه: باب ما جاء في الرياء، وباب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
اللهم وفقهم وانفع بهم.
صالح الشمراني – أم القرى – 10/7/1435هـ
ملاحظة:
بهذه المناسبة فقد كنت اقترحت تحويل جمعيات تحفيظ القرآن إلى جمعيات تعليم القرآن ووراء المسمى من الأهداف ما لا يخفى على أهل الشأن أتمنى يصل.